في حال فوز ترامب، هل سيتغير مسار الصراع في اليمن ؟

ملخص تنفيذي

للولايات المتحدة الأمريكية دور كبير في تحولات مسار الصراع في اليمن وذلك لما تتمتع به من مكانة ونفوذ عالمي وإقليمي، لكن تأثيرها، على مدار 3 فترات رئاسية، لم يرق إلى إنهاء الحرب أو وضع اليمن على مسار السلام.
إذا عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في٢٠/ ١/ ٢٠٢٥ والحرب الإسرائيلية على غزة لا تزال قائمة وهجمات أنصار الله على السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر مستمرة، فإن ذلك سيخلق ديناميكيات جديدة تنطوي على الكثير من التحديات والقليل من الفرص، ومن شأن ذلك أن يحدث تغييرا في ميزان القوى على نحوٍ قد يؤدي إلى زيادة التوتر وتعقيد المشهد بصورة تجعل التوصل إلى تسوية شاملة أكثر صعوبة، وفي أحسن الأحوال، قد تثبت عودته الوضع الراهن المتمثل بوضعية اللاحرب واللاسلام.

مقدمة:

إن أساس السياسة الخارجية الأميركية ــ وكل السياسات بشكل عام ــ يقوم على موقعها الجيوسياسي، وقوتها، وأمنها الاقتصادي الوطني، ومدى توفر الموارد الأساسية. وباختصار، فهي تقوم على مصالحها الوطنية.

كانت المملكة العربية السعودية، أكبر مصدر للنفط في منظمة أوبك إلى الولايات المتحدة، مصدر 7% من إجمالي واردات الولايات المتحدة من النفط و7% من واردات الولايات المتحدة من النفط الخام. وعلى مدى عقود من الزمان، كانت لواشنطن علاقات اقتصادية وعسكرية قوية مع الرياض، وعادة ما توصف بأنها علاقات استراتيجية. وبالتالي، فإن موقف المملكة العربية السعودية النفطي يضعها في قلب السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وباعتبارها واحدة من أهم مستوردي الأسلحة الأمريكية- إلى جانب الإمارات العربية المتحدة- فقد شكلت أكثر من نصف إجمالي صادرات الأسلحة الأمريكية إلى العالم خلال العقد الثاني من هذا القرن.

لطالما ظلت السياسة الأمريكية تنظر لليمن من خلال عدسة المصالح الاقتصادية والجيوسياسية للملكة العربية السعودية التي هي بالطبع تصب في مصالح السياسة الأمريكية، وبالتالي كان تأمين البحر الأحمر لمرور ناقلات النفط السعودية والخليجية عموماً هو العامل الثابت في طريقة عمل السياسة الخارجية الأمريكية تجاه اليمن بغض النظر عن الهوية الحزبية لرئيس البيت الأبيض، إذ إن الأصل في السياسة الخارجية الأمريكية، وفي كل السياسات عموماً، ينبع من مصالحها القومية، أما المتغير في تلك السياسة فهو كيفية تحقيق تلك المصالح، وبما أن اليمن تقع على أحد أهم المنافذ العالمية لتجارة النفط، ناهيك عن أنها أصبحت ساحة مناورة لقوتين إقليميتين (السعودية وإيران) بالغتي الأهمية للمصالح الأمريكية، فإن الولايات المتحدة قد أصبحت منخرطة تماماً في الصراع في اليمن، وفي هذه الجزئية تحديداً، قد تتعارض مصالح واشنطن والرياض.  بمعنى، على الرغم من الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية للمملكة العربية السعودية خلال السنوات السبع الأولى من الحرب، إلا أنه مع مرور السنين وارتفاع عدد القتلى المدنيين ــ ومع تحسين أنصار الله لقدراتهم الهجومية، وشن هجمات صاروخية على المدن والبنية التحتية السعودية والإماراتية ــ بدأت واشنطن في ممارسة الضغط على المملكة لإنهاء الحرب في الوقت الذي لم تكن فيه السعودية قد حققت أي من أهدافها.

أما على المحور الآخر، تتجلى الطبيعة العدائية للعلاقة بين واشنطن وطهران في أيديولوجياتهما المتضاربة وخطاب طهران المعادي لتل أبيب وواشنطن. أي أن الولايات المتحدة تعتبر طهران خطراً محتملاً على المصالح الأميركية. وبمجرد أن حسمت واشنطن وطهران بعض خلافاتهما وتوصلا إلى بعض الاتفاقيات، بدأت الأولى تسعى إلى تخفيف حدة المواجهة مع الثانية، وكان هذا مصدر قلق للرياض، التي تنظر إلى طهران باعتبارها تهديداً محتملاً أيضاً.

اشتعلت الحرب في اليمن في عهد الرئيس الديموقراطي الأسبق باراك أوباما في عام 2015، وستكمل عقدها الأول بعد خمسة أشهر، متزامنةً مع نهاية حكم الرئيس الديموقراطي الحالي جو بايدن الذي أسهمت فترة ولايته في تخفيف وتيرة الحرب في اليمن إلى حد ما، وبين هاتين الفترتين الديموقراطيتين، شهدت الحرب أحد حلقات عنفوانها إبان فترة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب (2017-2021)، حيث تبنى موقفاً مسانداً لدول التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية. 

 أسهم النهج المرن الذي تبنته الإدارة الأمريكية في عهد بايدن بوضع الصراع في مرحلة اللاسلم واللا حرب، فهل سيتغير المشهد في اليمن إذا عاد الرئيس الجمهوري المثير للجدل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مجدداً؟ هذا ما تهدف هذه الورقة مناقشته. وللإجابة عن هذا التساؤل يتوجب علينا طرح تساؤل آخر يتعلق فيما إذا كان للولايات المتحدة الأمريكية- سواء تحت إدارة الديموقراطيين أو الجمهوريين- دور فاعل وحاسم تجاه الصراع الدائر في اليمن منذ ٢٠١٥.

السياسة الأمريكية إزاء الصراع في اليمن

منذ بداية الحرب في اليمن، تبدو السياسة الأمريكية تجاه الصراع في اليمن متأرجحة بين دعم التحالف بقيادة السعودية وبين تهدئة رتم الصراع، وفي كلتا الحالتين كانت الإدارات الأمريكية تؤكد التزامها بحماية أمن السعودية وحلفائها في الخليج. 

فترة أوباما

تم الإعلان عن بدء الحرب من واشنطن في 26 مارس 2015 من خلال السفير السعودي في واشنطن آنذاك (عادل الجبير)، وبعد ساعات قليلة صدر بيان من البيت الأبيض أكَّد دعم إدارة الرئيس الأسبق (أوباما) للتحالف العربي، لوجستياً واستخباراتياً، وتأسيس خلية تخطيط مشتركة، وبعد أيام (أبريل 2015) أكدت الإدارة الأمريكية موقفها الداعم للتحالف حين أيدت قرار مجلس الأمن ( 2216) الذي وضع اليمن تحت الفصل السابع ووضع عقوبات على قيادات أنصار الله وحلفائهم. 

تصاعدت وتيرة الحرب واستمر القتال وتزايدت الضربات الجوية بشكل لافت أدى إلى مزيد من الضحايا المدنيين الأبرياء، وتفاقمت الأوضاع الإنسانية، وتصاعدت انتقادات مؤسسات الإغاثة والمنظمات الحقوقية، وبعد ما يقرب من خمسة أشهر من بدء الحرب (أكتوبر 2015) وجدت تلك الانتقادات طريقها للكونجرس، وأعرب بعض أعضائه عن انتقادهم لاستمرار مبيعات السلاح للسعودية، وأدى كل ذلك في نهاية المطاف إلى تخفيض الدعم العسكري والاستخباراتي واللوجستي الأمريكي للتحالف بقيادة السعودية، وأعلنت تعليق بيع أسلحة للسعودية.  تلك الاستهدافات المتكررة للمدنيين وللبنية التحتية ترافقت مع شعور الإدارة الأمريكية بأن الحسم العسكري لا يبدو احتمالا مرجحاً، فولد كل ذلك اتجاهًا في دوائر السياسة الخارجية الأمريكية للسعي نحو تحقيق تسوية سلمية، وفي ٢٥ أغسطس ٢٠١٦، أعلن وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” مبادرة لتسوية الصراع سميت حينها ب”مبادرة كيري للسلام”، وكان أساس المبادرة هو وقف إطلاق النار، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تستبعد الرئيس السابق “عبد ربه منصور هادي” ونائبه “علي محسن الأحمر”، وتُشْرك جماعة أنصار الله في الحكومة، وتضمنت المبادرة بعض إجراءات التهدئة كسحب جماعة أنصار الله أسلحتها من صنعاء، وانسحاب قواتها من مناطق الحدود السعودية-اليمنية، وتشكيل لجان أمنية في مناطق احتدام القتال، على أن تعمل حكومة الوحدة الوطنية على الترتيب لانتخابات عامة، لكن لم ترق تلك المبادرة لجماعة أنصار الله ولا لحكومة عبد ربه منصور هادي؛ ففشلت المبادرة، وهكذا ظلت إدارة أوباما متذبذبة بين دعمها الخجول للسعودية ودعواتها للسلام، وهو ما يشير إلى محدودية تأثيرها لفرض تسوية عملية ومستدامة للصراع. 

فترة ترامب

جاء دونالد ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية عاقداً العزم على التخلص من “الجماعات الإرهابية” التي تهدد الأمن القومي لأمريكا، وبدء ولايته بالإعلان عن استهداف تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب (اليمن). أما فيما يتعلق بعلاقة إدارته مع الرياض، فقد تشكلت من خلال البعد الاقتصادي حيث ركزت على مبيعات السلاح  للرياض بمليارات الدولارات، خاصة أنه كان يرى أن وقف هذه المبيعات أو حتى تخفيضها قد لا يترتب عليه سوى اتجاه السعودية لروسيا أو الصين أو كليهما كخيار بديل، وهكذا شهدت سنوات رئاسته منذ بدايتها توطيداً لعلاقة واشنطن مع الرياض التي خصّها بالزيارة الأولى فكانت المحطة الأولى لزياراته الخارجية؛ وخلال تلك الزيارة أعاد ترامب السماح ببيع الأسلحة للرياض التي كان قد علقها سلفه أوباما في الشهر الأخير من ولايته.

استمرت الضربات الجوية الخاطئة من قبل التحالف تحصد العديد من الأبرياء، وفي أكتوبر من عام 2018، طغى مقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” على عناوين الصحف الأمريكية، مما حدا بمنظمات المجتمع المدني والهيئات الحقوقية المطالبة بوقف الدعم العسكري للسعودية وإنهاء الحرب في اليمن، وقد وصلت معارضة الحرب إلى الحد الذي دفع إدارة ترامب في نهاية الشهر إلى مطالبة التحالف بوقف قصف المناطق المأهولة بالسكان، ودعوة جميع الأطراف لهدنة، والدخول في مفاوضات جادة لإنهاء الحرب، وبعدها بأسبوعين أعلنت الإدارة الأمريكية إيقاف تزويد طائرات التحالف بالوقود جوًّا، غير أن هذا لم يكن سوى ذر الرماد بالعيون حيث استخدم ترامب حق النقض ضد قرار الكونجرس بإلزام إدارته بالانسحاب كليًّا من الحرب في فبراير ٢٠١٩، ولم يتمكن مجلس الشيوخ من حشد الأغلبية المطلوبة لتجاوز حق النقض الرئاسي، وقبل ١٠ أيام من انتهاء رئاسته أعلن عن تصنيف جماعة أنصار الله جماعة إرهابية.

في عام 2018، كانت القوات التابعة للحكومة المعترف بها دولياً والمدعومة من التحالف قاب قوسين أو أدنى من الاستيلاء على مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي الواقعين تحت سلطة أنصار الله، لكن إدارة ترامب مارست ضغوطا على قيادة التحالف وعلى الحكومة المعترف بها دولياً للتراجع ليتم إيقاف القوات على بعد أربعة كيلو مترات من السيطرة على ميناء الحديدة، وذلك قد يعطي مؤشراً بأن إدارة ترامب لم تكن ترغب في حسم الصراع لأي من الجانبين بل تتركه يتأرجح بين قوتين أساسيتين أحدهما مدعومة من الرياض والأخرى من طهران، ويبدو أن هذه إحدى الثوابت في السياسة الأمريكية – سواء كانت ديموقراطية أم جمهورية- إزاء الصراع في اليمن، فضلاً عن أن إنهاء الحرب تماماً في تلك الفترة كان أمرا غير مرجح لاعتبارات متعلقة بتجارة السلاح الدولية من جانب، و كونه ورقة رابحة لاستنزاف السعودية والإمارات وممارسة الابتزاز السياسي، من جانب آخر.

فترة بايدن

أفضى فوز “جو بايدن” بالرئاسة إلى مزيد من التأرجح في السياسة الأمريكية تجاه الصراع في اليمن، فعندما ألقى خطابه الأول المتعلق بسياسة بلاده الخارجية في 4 فبراير 2021، أعلن عن عدة تغييرات تجاه الصراع في اليمن تمثلت في وقف مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية ووعد بإنهاء الحرب، وعين الدبلوماسي (تيم ليندركينغ) مبعوثًا خاصًا إلى اليمن لقيادة جهود السلام، في إشارة كانت واضحة إلى أن الولايات المتحدة قد قررت الابتعاد عن دور الطرف الداعم للحرب والاقتراب من دور الوسيط.

في الواقع، تم اتخاذ هذه الخطوة في ظل ظروف محددة، إذ أدركت إدارة بايدن، نقلاً عن ليندركينج نفسه، أن “السعوديين واجهوا بصراحة صعوبات في التعامل مع هذا الصراع. لقد رأوا نفوذهم يتضاءل في اليمن. لقد رأوا أن الحوثيين اكتسبوا قوة في ساحة المعركة. الحوثيون عدو صلب للغاية. قدم الإيرانيون الدعم للحوثيين – وهو تطور مؤسف للغاية لمصالح الولايات المتحدة، وفي نهاية المطاف، لليمنيين. لذلك، أعتقد أن عددًا من العوامل قد لعبت دورًا، حيث رأى السعوديون حقًا فائدة إنهاء الصراع”.

بعد عدة أيام من ولايته، أعلنت الخارجية الأمريكية الشروع بإجراءات شطب جماعة أنصار الله من قائمة الإرهاب التي كان قد أدرجها فيها سلفه الرئيس ترامب قبل أيام من نهاية ولايته. عزز المبعوث الأمريكي ليندركنغ هذه السياسة بتصريح له بأن الولايات المتحدة تعترف بأنصار الله ك “لاعب شرعي”، ويمكن اعتبار تلك الخطوات عودة لسياسة أوباما الذي عمل بايدن نائبًا له لثماني سنوات، والذي رأينا أنه أنهى ولايته بمحاولات غير ناجحة للتوسط بإنهاء الصراع.

يتضح مما سبق أن جميع المساعي التي قامت بها الإدارات الأمريكية المتعاقبة لم تسفر عن تقدم ملموس يضع اليمن في المسار الصحيح صوب السلام العادل والمستدام، ويرجع ذلك إلى تضارب المصالح الأمريكية والإقليمية، فضلا عن تعقيدات المشهد السياسي اليمني وغياب التأثير الأمريكي على جماعة أنصار الله، التي طالما أبدت انزعاجها من أي وساطة أمريكية.

هل سيغير انتخاب ترامب مسار الصراع في اليمن؟

في حال فوز دونالد ترامب، من المتوقع أن تشهد السياسة الخارجية الأمريكية إزاء اليمن تغييراً ملموساً سيؤدي إلى تغييرات في مسار الصراع، وهذه التوقعات مبنية على المعطيات التالية:

المزاج الشخصي للرئيس ترامب وما يتمتع به من كاريزما يمكن أن يسهم في إحداث تغيير.  ولئن بدا هذا التحليل عكس ما ترسخ في قناعة الكثير من المحللين والسياسيين بأن السياسة الخارجية الأمريكية مبنية على أسس منهجية رصينة وقراراتها نابعة من دراسات وتحليلات استراتيجية، و ليست قرارات شخصية ارتجالية أو متغيرة بتغير الرؤساء؛ فإن تبني مثل هذا الطرح في الحقيقة، لا يعني التشكيك بذلك الثابت في السياسة الأمريكية المتمثلة  في أن قناعة الرئيس الشخصية لا يمكن أن تتجاوز المؤسسات السياسية الرسمية والحزبية وكثيراً ما تفرض تلك المؤسسات عليه اتخاذ قرارات لا تتناغم وتوجهاته الشخصية وقناعاته وأولوياته. لكن، وفي الوقت نفسه، لا يمكن إنكار شخصية وكاريزما رئيس الدولة في تسيير دفة السياسة الخارجية في هذا الاتجاه أو ذاك، وذلك ما أثبتته بعض الوقائع السابقة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي الذي عملت إدارة سلفه أوباما طيلة سنوات من أجل التوصل إليه، وينسحب ذلك أيضاً على قرار إدارة بايدن شطب جماعة أنصار الله من قائمة المنظمات الإرهابية، بعد أن كان سلفه ترامب قد أدرجهم ضمنها.

العقلية التجارية للرئيس ترامب؛ بدأ واضحا أن العامل الاقتصادي هو ما ميز علاقة إدارة ترامب بالسعودية؛ إذ استندت تلك العلاقة على معادلة الربح والخسارة- المال مقابل الحماية- وبالتالي، إذا ما أُعيد انتخابه، سيفكر ترامب بعقلية رجل الأعمال بحيث يجعل من مبيعات الأسلحة مصدراً لتحسين الوضع الاقتصادي الأمريكي، وإنهاء الحرب تماماً في اليمن قد لا يخدم هذه الاستراتيجية القائمة على زيادة صادرات السلاح وحماية المملكة من أي تهديد خارجي خصوصاً من جماعة أنصار الله أو من إيران، اللتين أصبحتا فزاعة تدر على واشنطن ملايين الدولارات.  لكن وبالمقابل، قد يكون استقرار الأوضاع في اليمن في صالح الاستثمارات الأمريكية في الخليج وخصوصاً السعودية التي تسعى إلى الخروج من الملف اليمني والتفرغ لرؤيتها الاقتصادية 2030.  باختصار، سَتُوضَع الحرب في اليمن في ميزان الربح والخسارة، فإذا رجحت كفة إنهاء الحرب لصالح المصالح الأمريكية وتأمين حليفتها إسرائيل، فإن وقف الصراع في اليمن سلمياً، وعن طريق المفاوضات، سيظل الخيار الأفضل لإدارة ترامب، والعكس صحيح أيضاً.

النظرة العدائية تجاه إيران؛ تعمل الإدارة الأمريكية على حماية أمنها القومي وتعزيز مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية في جميع أنحاء العالم وفي منطقة الشرق الأوسط تحديداً، ومن أهم تلك المصالح حماية ممرات النفط العالمية ومواجهة إيران و”وكلائها”، ولما كانت واشنطن تعتبر جماعة أنصار الله ذراعا إيرانيا وأحد أعراض السياسة الإيرانية في المنطقة ، فإن إضعافها سيكون جزءًا أساسياً من استراتيجية ترامب القادمة.

موقف جماعة أنصار الله المعادي لإسرائيل؛ يضع ترمب، ومن خلفه الحزب الجمهوري، دعم إسرائيل في مقدمة الاهتمامات، ونظراً لما أظهرته جماعة أنصار الله من قدرات عسكرية متفوقة، تمكنت خلالها من استهداف العمق الإسرائيلي بعدد من مسيراتها صواريخها- ناهيك عن فكرها الإيديولوجي المقاوم والمعادي لأمريكا وإسرائيل والغرب عموماً، فإنه من المستبعد أن يستهين ترامب بهذه القدرات التي أصبحت تشكل خطرا استراتيجيا على دولة الاحتلال الإسرائيلي.  

التطبيع مع إسرائيل وردة فعل الفاعلين الأساسيين في الصراع اليمني: يُعطي ترمب والجمهوريون عموماً أهمية لاستعادة بناء شبكة التحالفات الأمريكية في المنطقة، ويُفترَض تبعاً لهذا أن تتعزز العلاقات والشراكة الاستراتيجية مع السعودية ومعظم دول الخليج بشكل كبير، ومن أوجه هذه العلاقة أن ترامب سيدفع بالرياض إلى التطبيع مع إسرائيل، لكن ذلك سيكون صعباً دون تلبية الشروط السعودية، وعلى رأسها إبرام اتفاق دفاعي مع الولايات المتحدة، وإذا ما تم هذا الاتفاق، فمن المحتمل أن تعمل إيران وحلفاؤها على إعاقة إتمام صفقة التطبيع هذه من طريق محاولة تفجير الأوضاع هنا أو هناك، وهو ما سينعكس سلباً على جهود السلام في اليمن؛  ذلك أن خروج أي صفقة تؤدي إلى توقيع اتفاق دفاعي بين واشنطن والرياض إلى النور سيضع الأخيرة وحلفاءها (الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً) في موقف سياسي وعسكري أفضل، ويجعلهم في وضع تفاوضي أقوى، ومع أن كل ذلك سيسلب جماعة أنصار الله العديد من أوراق القوة، ويُضعِف موقفهم في الصراع؛ إذ سيفرض تعديل ميزان القوى الناتج عن نجاح هذه الصفقة إعادة التفاوض على خريطة الطريق التي سبق الاتفاق على خطوطها العريضة، والتفاوض على مسائل أخرى كثيرة، فإن ذلك بالمقابل سيثير جماعة أنصار الله وإيران وقد يؤدي إلى  مرحلة جديدة من التصعيد.

ترامب وعلاقته بالفاعلين الدوليين: هناك مؤشرات إيجابية قد تخدم الاستقرار في اليمن ومنها أن إلرئيس ترامب قد يتبنى موقفاً تصالحياً مع روسيا، وقد يتراجع عن دعم أوكرانيا عسكريا وسياسياً، وذلك سيسهم في إعادة الملف اليمني إلى دائرة الاهتمام الدولي والبحث عن خلق فرص عملية للسلام؛ وذلك أن أي تقارب روسي-أمريكي سينعكس على الصراع في اليمن بطريقة مباشرة أو غير مباشرة فقد يفضي بموسكو إلى الدفع  باتجاه تسوية سياسية أكثر توازناً للأزمة اليمنية.

كما أن واشنطن، وبالأخص الجناح الجمهوري، ترى ببكين تهديداً لأمنها القومي وخطراً على اقتصادها، وقد سبق لإدارة ترامب أن هددت بفرض تعريفات جمركية عقابية على البضائع الصينية، وانطلاقا من مخاوف واشنطن من توسع النفوذ الصيني في منطقة الشرق الأوسط والخليج بشكل خاص، الذي أصبح مسرحاً رئيساً لهذا النفوذ والتنافس، وفي ضوء المساعي الصينية مؤخراً للانخراط بالشأن اليمني- لاسيما بعد أن حققت اختراقاً دبلوماسياً كبيراً تمخض عنه إعادة العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض- فإنه من المرجح أن يسعى ترامب إلى إبعادها من دائرة التنافس والنفوذ، وذلك عن طريق تقديم بدائل دبلوماسية من شأنها أن تنهي الحرب وتجلب السلام لليمن. 

ملاحظة ختامية

وفي ضوء ما سبق، يمكن القول: إنه إذا لم تتوصل الأطراف اليمنية المتصارعة إلى اتفاق ينهي الصراع في اليمن قبل 20 يناير 2025، الذي يمثل تأريخ العودة المحتملة للرئيس السابق ترامب إلى رأس هرم السياسة الأمريكية، فإن ذلك من شانه أن يخلق ديناميات جديدة في المشهد السياسي اليمني ستؤثر حتماً على مساري الحرب والسلام.