المجتمعات التي تسيء معاملة المرأة هي المجتمعات الأكثر فقرًا وأقل استقرارًا على مستوى العالم باراك أوباما

أعتقد أن قضية حقوق المرأة في اليمن، وعدم إنصافها على أرض الواقع قضية قديمة ومستمرة. لكن الجديد اليوم أنها أصبحت أكثر جحودا وظلمًا وتطاولًا، وأصبح نكران المرأة وجحد حقوقها أعنف وأقوى، وباتت المواجهة جريئة، وانتقلت من المنزل ومكان العمل إلى الإعلام ومواقع السوشال ميديا، فتغيَّرَ المكان والمحاربون للمرأة، وأصبحت الوسائل أكثر دونية وابتذالًا. 

لقد انتزعت المرأة اليمنية حقوقها في رحلة طويلة، منذ قيام ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر حتى يومنا هذا، وكل حق أُعطي لها جاء بعد معاناة ومناشدات مستميتة، فاعتقدت أنها قطعت الصعب؛ لكن العام 2011، وما بعده من حروب وصراعات حزبية وسياسية، أعادوها إلى نقطة الصفر. 

نحن اليمنيات في بلد أنصفها -نوعًا ما- القانون والدستور وخذلها المجتمع، أنصفها التاريخ وخذلتها العادات والتقاليد. معظم النساء في شتى بقاع الأرض يحاربن من أجل المساواة في القوانين وأخذ الحقوق دستوريًا إلا نحن، بل إن بلادنا من الدول السباقة في بعض القوانين المنصفة للمرأة، مثل التقاعد والأجور والجنسية… إلخ، إذن أين الخلل؟! سؤال جميعنا يعلم أن الإجابة عنه تكمن في شقين:  

  • الأول: عدم تطبيق تلك القوانين، واختفاء الحزم والقوة في تنفيذ ما تم الالتزام به. 
  • الثاني: العادات والتقاليد التي ظلت محمية مِمَّنْ لهم مصلحة في بقاء المرأة في جُحر العبودية. 

 نحن في مجتمع مفعم بالأصالة والرحمة والشهامة إلا عندما يتعلق الأمر بالمرأة، نتحول إلى العصر الحجري، ويضع الرجل اليمني حجرًا في جمجمته ويحملها في يده، ويقف مخاطبًا المرأة بلغة لا يفهمها أحد. 

دعونا لا نخوض في لغويات وتشبيهات؛ ودعوني -أنا امرأة يمنية- أحدثكم عن سابقة تاريخية لم تحدث سوى في بلدنا الأصيل، البلد الذي هو أصل العرب وقيم القبائل والشهامة، بلد الحضارات العظيمة، وهي قضية: النيل من شخصيات وقيادات اجتماعية أو سياسية في الدولة عن طريق التشهير وقذف المرأة اليمنية علنًا في قنوات السوشال ميديا بدون خوف (أخلاقي أو ديني أو قَبَلي أو قانوني).

هكذا أصبحت المرأة تلعب دور الضحية مرتين: ضحية عن نفسها، وضحية لاستخدامها أداةً لضرب الخصوم. وكل يوم يظهر في منصة (إكس)، أو غيرها من قنوات الإعلام، صحفي أو ناشط سياسي لديه مصالح خاصة (سياسية أو حزبية أو يعمل وفق أجندة محددة) مغردًا بكل عجز وذل أن عدوه المسؤول الفلاني في الدولة أو في المؤسسة الفلانية إنسان فاسد وسيء السمعة؛ والدليل علاقته غير الأخلاقية مع المرأة الفلانية، التي قد تكون زميلته في العمل أو سكرتيرته أو ناشطة اجتماعية… إلخ. حتى في حربنا ضد الخصوم نزلنا إلى مستوى وضيع، وهكذا هي المرأة اليمنية عظيمة حتى في معاناتها وطرق تعذيبها وسلب حقوقها.

أنا هنا في قمة حزني لا أتحدث عن ذلك المسؤول أو القائد في الدولة، بل أتحدث عن هذه المرأة التي استخدمها الصحفي أو الناشط وسيلةً لضرب خصمه. ماذا حصل لها؟! ماذا حل بأداة الهجوم؟

أقدمِّ الإجابة من واقع مرير تعيشه بعض النساء العاملات، تحدث عنه تقرير مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن أنها “لا زالت -منذ العام 2017- أسوأ مكان للنساء في العالم”.هذه عبارة مريرة مفجعة، تستخدم عادة في أفلام الرعب. والإجابة هي أن هذه المرأة المستخدمة كوسيلة لضرب الخصوم حصل لها أمران: 

الأول: الانكماش والتقوقع مرة أخرى، والهروب من ساحة العمل والنجاح والإسهام في بناء بلادها إلى أسوأ زاوية في البيت والاختباء فيها. وهناك تبدأ من جديد صراعًا مع الأسرة والمجتمع، وجلدهم لها جسديًا ونفسيًا ومعنويًا، ونظرات الاحتقار والتنمر من زملائها، وشعور النقص وفقدان الثقة الذي بالكاد حصلت عليه بعد سنوات من العناء. 

أـخبرتني إحداهن، في محاولة منها لشرح الموضوع بمفهومها البسيط، قائلة: “عدت إلى وضع الدفاع بعد أن كنت قوية أواجه وأهاجم. عدت إلى وضع الدفاع والإثبات”. سألتها ما هو وضع الدفاع والإثبات هذا؟ فقالت: “الدفاع أن أدافع عن نفسي أمام أسرتي صباح كل يوم جديد، وأقول لهم: لا تصدقوا، أنا إنسانة شريفة، أنا ابنتكم التي وثقتم بها وأعطيتموها الفرصة للعمل. أما وضع الإثبات فأحاول كل يوم أن أثبت لهم أني بريئة مما لُفِّق لي، وأني أستحق ثقتهم من جديد. أحاول أن أثبت أني لست كما قال الصحفي والناشط السياسي الخلوق”. 

الثاني وهو الأهم: هو ظلم المرأة (الأداة) من قبل المسؤول أو الشخصية الاعتبارية التي تمت مهاجمته؛ فخوف هذا الشخص على سمعته، والأنانية في المواجهة، وعجزه عن الدفاع عن هذه الضعيفة التي لا ذنب لها سوى أنها كانت تعمل معه، هو بحد ذاته انتهاك صارخ لحقوق المرأة العاملة وأحد وجوه العنف ضدها. 

وكانت المعالجة الوحيدة التي قام بها هو تجنب التعامل معها تمامًا، وتجاهلها أو نقلها إلى قسم آخر. ويدخل في هذا السياق أيضًا، أن يحرمها من حقها القانوني في الترقية أو الحصول على الحقوق والامتيازات الوظيفية الأخرى حسب القانون… إلخ، وبالمعنى البسيط والعامي “ألا يقال عنه إنه أعطاها الترقية بسبب العلاقة غير الشرعية التي تربطهما”، وقد يحرم المرأة التي تعمل تحت إدارته من حقها القانوني خوفًا من أن تطال سمعته بعض الأقاويل.

منتهى الظلم والجحود للمرأة، والضعف وعدم الثقة بالنفس كقائد؛ وهذا يضعنا أمام تساؤل مهم، هو: كيف يستطيع هذا القائد أو المسؤول أن يقود المؤسسة التي يرأسها أو يدعم المواطنين الذين يخدمهم أو من هم تحت إدارته؟ كيف يُتَّكَل عليه؟!

الديمقراطية والنزاهة والشفافية وتصحيح الخطأ ليس بالخوض في الأعراض، أو في تدمير خصمك بكل الوسائل المتاحة أمامك كناشط سياسي أو صحفي؛ بل يجب الرقي في مواجهة خصمك بشرف الذات وشرف المهنة دون استخدام الضعفاء؛ لمعرفتك أن مسألة الشرف والطعن في الأعراض تظل نقطة ضعف مجتمع مثل مجتمعنا، تحتله العادات والتقاليد السيئة أكثر من الدين والوطن والسلام والاستقرار والتنمية. وبلغتنا العامية “أبناء الأصول وأبناء القبائل والشرفاء لا ينزلون إلى هذا المستوى من الدناءة في أساليب مواجهة الخصوم”؛ فكن خصمًا نزيهًا حتى في حربك.

وعليه، فإن ما قام به الصحفي/ الكاتب/ الناشط السياسي، وردة فعل المسؤول/ الشخصية الاعتبارية، هو انتهاك صارخ لحقوق المرأة وللتشريعات المحلية والإقليمية والدولية، وهو عنف ضد النساء يدخل ضمن قانون التحرش الجنسي واللفظي للمرأة في مكان العمل، ويجب ملاحقة المنتهكين له قضائيًا.

قد يقول بعضهم ليس في بلادنا قانون واضح اسمه “العنف ضد النساء” أو “قانون التحرش”، لكنني  أضمن أن معظم الدول العربية والعالم لديها هذا القانون وتعاقب المنتهك له دوليًا، وتصدر ضده أحكام غيابية قد تصل إلى منعه من السفر أو الدخول إلى أراضيها أو التعويضات المالية، فما بالنا عندما يكون هذا الصحفي أو الناشط مقيمًا في إحدى هذه الدول؟! 

التحرش في العمل هو قتل للمرأة نفسيًا ومعنويًا، والقضاء على إمكانياتها يفقدها تركيزها في العمل ويجعلها خائفة فاقدة القدرة على التعبير عن حقها وحريتها؛ فلا تجد حلًا لها سوى ترك العمل والاستسلام للخوف. أما الإشاعات التي تطال المرأة في العمل فهي محاولة لتشويه السمعة من قبل أشخاص تتملكهم الغيرة والشعور بالنقص والعجز الذاتي، فيستغلون نقاط ضعف المرأة وخوفها من الأب/ الأخ/ الزوج/ العائلة، ويطلقون عنها الأقاويل الكاذبة وهم يعلمون أنها سلاح سريع وفتاك في المجتمعات التي ما زالت تقدس العادات والتقاليد. وللأسف هم يقتلون نصف المجتمع وأمهات النصف الآخر. 

قيَّم مؤشر المرأة والسلام والأمن 2023/ 2024، الصادر عن معهد جورج تاون للمرأة والسلام والأمن، وضعَ المرأة في 177 دولة، حصلت اليمن فيه على المرتبة ما قبل الأخيرة (176). وارتكز التقييم على ثلاثة أبعاد هي: الدمج (الاقتصادي، الاجتماعي، السياسي)، العدل (التمييز الرسمي وغير الرسمي)، والأمن (على المستويات الفردية والمجتمعية).

وها نحن في بلد تعيش نساؤه تحت وطأة العنف والاضطهاد، ويتعرضن للاعتداءات الجسدية والجنسية والنفسية، وللاختطاف والاغتصاب والتشريد القسري، في بلد تعيش فيه المرأة وقت السلم ظروفًا غير صحية ولا إنسانية، فكيف يكون الوضع وقت الحرب!

حقوق المرأة هي حقوق الإنسان، والمجتمعات التي تسيء معاملة المرأة هي المجتمعات الأكثر فقرًا وأقل استقرارً على مستوى العالم، وبلادنا ليست بعيدة عن هذه الحقيقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *