هل رفع العقوبات عن أحمد علي صالح سيعيد حزب المؤتمر الشعبي العام إلى واجهة المشهد السياسي في اليمن؟

ملخص تنفيذي
في نهاية شهر يوليو (2023)، أعلنت لجنة العقوبات الأممية في مجلس الأمن رفع العقوبات على نجل الرئيس الأسبق (العميد أحمد علي عبد الله صالح) ووالده (المؤسس لحزب المؤتمر الشعبي العام في عام 1982)، التي كانت قد فُرضت عليهما بتهمة “تقويض السلام والأمن والاستقرار في اليمن” في عام 2015.
حتى وقت قريب، وضع العميد أحمد صالح نفسه في المنطقة الرمادية ولم يحدد موقفاً واضحاً من طرفي الصراع الرئيسيين في اليمن (جماعة أنصار الله والحكومة المعترف بها دولياً)، فقد أُنتخب (2 مايو 2019) في منصب نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام المتواجد في العاصمة صنعاء الخاضعة لسلطة جماعة انصار الله. مؤخرا (15 مايو 2024)، أعلن أحمد صالح اعترافه رسميا برئيس مجلس الرئاسة الدكتور (رشاد محمد العليمي) و بالحكومة “الشرعية” ، التي تمارس أعمالها من مقرها في العاصمة المؤقتة عدن، وبالتالي فإنه يُعد شخصية مقبولة – نسبياَ ـ من جميع فصائل المؤتمر.

في الوقت الذي تُسَخِر فيه السعودية كل أوراقها للدفع باتجاه إنهاء الحرب، و في سياق المساعي الإقليمية والدولية المبذولة حاليا لحلحلة الملف اليمني، أعلنت لجنة العقوبات الأممية في مجلس الأمن، في نهاية يوليو الفائت، رفع العقوبات المفروضة على العميد أحمد صالح ، مما يُعَدُ مؤشراً على دورٍ سياسي محتمل سيلعبه من خلال إعادة المؤتمر الشعبي العام إلى واجهة الفعل السياسي المؤثر في الساحة اليمنية.

مقدمة

ظل حزب المؤتمر الشعبي العام الفاعل الرئيسي في تشكيل المشهد السياسي اليمني منذ تأسيسه عام ١٩٨٢ حتى عام 2011 ؛ إذ تضاءل دوره بسبب أحداث الربيع العربي التي أدت إلى تنحي زعيمه الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح من رئاسة الجمهورية، لتدخل اليمن في مرحلة الصراع السياسي الذي أدى في نهاية المطاف إلى سيطرة جماعة أنصار الله على العاصمة صنعاء وبقية المدن اليمنية.

في خضم تلك الزوابع السياسية، تحالفت جماعة أنصار الله مع الرئيس الأسبق لليمن و رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام آنذاك (علي عبد الله صالح) مما أدى إلى امتعاض البعض من أنصار المؤتمر، فغادر جزء منهم إلى خارج اليمن ليلتحقوا بالحكومة المعترف بها دولياً تحت سلطة الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، الذي كان قد تمكن من مغادرة العاصمة صنعاء والاستقرار في الرياض.

في 14 إبريل 2015، فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على نجل الرئيس الأسبق، والقائد السابق للحرس الجمهوري اليمني (أحمد علي عبد الله صالح) بعد أن كان قد فرض عقوبات على والده في 7 نوفمبر 2014، تمثلت في تجميد أرصدتهما وحظر سفرهما للخارج.

لم يستمر التحالف بين جماعة انصار الله وحزب المؤتمر (جناح صالح/صنعاء)  سوى 3 سنوات لينتهي بمقتله في شهر ديسمبر 2017، بعد أن أعلن انشقاقه عن جماعة أنصار الله ليدخل حزب المؤتمر مرحلة جديدة من التجزئة والتشظي ؛ فتفكك أعضاؤه، وتباينت رؤاهم حول الحرب و التحالف، وانقسموا على أنفسهم بين مؤيد لجماعة أنصار الله ومعارض لها، ومن ثم ؛ خرج الحزب عن دائرة الفعل السياسي وانكفأ على نفسه، وفقد جزءًا كبيرا من قواعده وتخلخلت قدرته الهيكلية والتنظيمية، و انتقل بعض قاداته إلى الرياض- حيث يقيم الرئيس هادي  (جناح هادي)، وبعضهم إلى أبو ظبي؛ حيث يقيم نجل الرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح (جناح أحمد علي)، بينما ظلت قيادات أخرى في العاصمة صنعاء وانضوت تحت سلطة أنصار الله سياسياً وعسكرياً، بينما توجهت بعض القيادات إلى بعض العواصم العربية والدولية، أبرزها في العاصمة المصرية القاهرة، و فضلت مبدأ الحياد والتموضع في المواقف الرمادية.

في 30 يوليو 2024 ، أعلنت لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن إزالة إسمي علي عبدالله صالح ونجله العميد أحمد من قائمة العقوبات التي فُرضت عليهما قبل عقد من الزمن.

يتساءل البعض: هل يمثل قرار رفع العقوبات جرعة إنعاش لحزب المؤتمر وإعادته إلى الصدارة السياسية في اليمن؟ وهل من أبعاد سياسية لهذه الخطوة؟ هذا ما نسعى لمناقشته في هذا التحليل.

 المؤتمر من التأسيس إلى التشظي

تم تأسيس المؤتمر الشعبي العام عام 1982 من قبل الرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح ، رئيس الجمهورية العربية اليمنية آنذاك ، واستطاع أن يستقطب عدة قوى سياسية ليجمعهم تحت مظلة المؤتمر الشعبي العام، وهو الحزب الذي هيمن على المشهد السياسي لما يقرب من ثلاثة عقود، حقق خلالها الكثير من النجاحات واكتسب شعبية عريضة في عموم أرجاء اليمن ؛ فخلال حكمه اكتشف النفط وتمت الوحدة اليمنية واستتب الأمن نسبياً،  لكنه- بالمقابل- أخفق في الكثير أيضاً إذ تركز حكمه حول المركزية والبيروقراطية الإدارية ، فجاءت انتفاضة الربيع العربي في يناير من عام 2011 بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث توافد ملايين المتظاهرين إلى الشوارع والساحات مطالبين ب “إسقاط النظام السياسي “.  

في نوفمبر2011 ، وقع الرئيس السابق علي صالح على اتفاقية المبادرة الخليجية ، التي تم بموجبها تخليه عن الرئاسة في فبراير 2012 ، و انتُخب نائبه آنذاك الرئيس عبد ربه منصور هادي في انتخابات غير تنافسية، رئيساً للجمهورية. وخلال تلك الفترة المضطربة، تعرضت شعبية المؤتمر الشعبي العام وعضويته إلى هزات عديدة وضربات قاسية؛ فتقلص تأثيره واختل هيكله، ولم يكد يتعافى من تلك الضربات حتى تلقى ضربتين مزدوجتين متتاليتين أدتا إلى تآكل قواعده وتباينها وانقسامها:

أولاهما: التحالف مع جماعة أنصار الله الحوثية

بعد دخول قوات جماعة الحوثي العاصمة صنعاء ووصولهم إلى السلطة في عام 2014، تحالف حزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان يرأسه الرئيس السابق علي عبد الله صالح مع جماعة أنصار الله ، وظهر ذلك التحالف بجلاء من خلال تشكيل المجلس السياسي الأعلى، وحكومة الإنقاذ، عام 2016 في العاصمة صنعاء، واعتبر ذلك التحالف نكاية بخصمه السياسي التجمع اليمني للإصلاح؛ حيث اعتقد حزب المؤتمر أن الإصلاح سيدخل بصدام مسلح مع جماعة أنصار الله، و سيستنزف كل منهما الآخر، وعندئذ  يظهر الرئيس صالح وحزبه المؤتمر بدور الوسيط والمنقذ، ويعود إلى واجهة الصدارة السياسية من جديد. 

والواقع أن هذا التحالف لم يؤد إلا إلى مزيد من التشرذم والاستقطاب الحاد في أوساط حزب المؤتمر الشعبي العام، حيث وضعهم أمام ثلاثة خيارات، إما أن يظلوا متحالفين مع جماعة أنصار الله وإما أن يلتحقوا بالرئيس عبد ربه هادي إلى الرياض ، وإما التواري والحياد؛ فانقسموا -بفعل ذلك- إلى أجنحة متعددة كما أسلفنا؛ فمنهم من فضل البقاء في صنعاء (جناح صنعاء)، ومنهم من اتجه إلى الرياض؛ ليصبحوا جزءا من المؤسسة السياسية والعسكرية التابعة للحكومة الشرعية (جناح هادي/ الرياض)، وبعضهم توجه إلى أبوظبي  ( جناح أحمد علي/ أبو ظبي) ، ومنهم من هاجروا إلى خارج اليمن فتوارى معظمهم عن الحياة السياسية برمتها مفضلين الصمت البراغماتي وعدم الانحياز لأي من الفريقين حتى تنقشع عن اليمن سحابة الأزمة ، مترقبين إلى أي الأطراف ستميل الكفة.  

تمكنت جماعة أنصار الله وحليفها المؤتمر الشعبي العام (جناح صنعاء) من مواجهة فراغ الحكومة، وقاموا بإنشاء مجلس سياسي أعلى في 6 أغسطس 2016؛ يتكون من عشرة أعضاء، عُين أعضائه بالتساوي، وهدف المجلس، بحسب وكالة سبأ للأنباء،  إلى ” توحيد الجهود لمواجهة العدوان السعودي وحلفائه، ولإدارة شؤون الدولة في البلاد، سياسيًّا، وعسكريًّا، وأمنيًّا، واقتصاديًّا، وإداريًّا، واجتماعيًّا، وغير ذلك، وفقًا للدستور”، ثم شُكِّلت حكومة إنقاذ مشتركة في 28 نوفمبر من العام ذاته. وبحكم موقعه في المجلس السياسي الأعلى، شارك أعضاء من المؤتمر الشعبي العام في مفاوضات جنيف ومفاوضات ستوكهولم. وظلت الكثير من ألوية الجيش اليمني مثل ألوية الحرس الجمهوري، والقوات الخاصة التي كان يقودها ابن شقيق علي صالح (العميد طارق صالح) تقاتل جنباً إلى جنب مع جماعة أنصار الله.

 ثانيهما: فك الارتباط مع جماعة أنصار الله

في 2 ديسمبر 2017، وفي تحول دراماتيكي، انقلبت علاقة المؤتمر الشعبي العام مع جماعة أنصار الله رأساً على عقب، حيث دعا الرئيس الأسبق صالح منتسبي المؤتمر الشعبي العام في ربوع اليمن لانتفاضة شعبية ضد “جماعة أنصار الله وفكره”، لتنتهي تلك الدعوة والمصادمات المسلحة التي تلتها بمقتله، مؤدية إلى ما يمكن أن نطلق عليه موسم الهجرة الثاني والشتات لأعضاء حزب المؤتمر، وكان من بين أولئك “المشتتين” العميد (طارق صالح) الذي أسس “قوات حراس الجمهورية” أو “المقاومة الوطنية” وانضوى تحتها الكثير من منتسبي المؤتمر (جناح طارق) .  

المقاومة الوطنية والمكتب السياسي للمقاومة الوطنية

تعد قوات حراس الجمهورية أو المقاومة الوطنية صورة مستنسخة من قوات الحرس الجمهوري، وهي تتكون من وحدات من بقايا الحرس الجمهوري والأمن الخاص التي كانت تدين بالولاء للمؤتمر الشعبي ورئيسه، ومدنيين آخرين من مختلف المناطق اليمنية من الموالين لحزب المؤتمر الشعبي العام.

وعلى الرغم من اعتراف قوات حراس الجمهورية بشرعية الرئيس هادي- نظرياً، فإنها لا تنضوي ضمن هيكل وقيادة وزارة الدفاع أو هيئة الأركان العامة اليمنية، وظلت تعمل تحت غرفة عمليات مرتبطة بقوات التحالف العربي مباشرة، وخاصةً دولة الإمارات العربية المتحدة، و تتلقى دعما عسكريا إماراتيا كبيرا على مستوى التسليح والمرتبات والإسناد الجوي والبري في عملياتها العسكرية؛ ولذلك أصبحت قوة لا يستهان بها من حيث العدة والعتاد، ويُقال- بحسب بعض المصادر- أنها تشكل القوة العسكريَّة الأكثر تدريباً وإمكانيةً من بين جميع التشكيلات العسكرية المناهضة لجماعة أنصار الله.

أحمد علي صالح

كان أحمد علي صالح قائداً لقوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة أيام حكم والده حتى إزاحته من المنصب في 2013 وتعيينه سفيراً لليمن لدى الإمارات العربية المتحدة، التي ظل مقيما فيها بعد عزله من منصب السفير (ديسمبر 2015 ) حتى اللحظة. وخلال تلك السنوات العشر الماضية وبسبب إقامته خارج اليمن، لم تتلطخ يد العميد أحمد بالدماء ولم يصدر عنه أي تصريحات تحريضية ضد هذا الطرف أو ذاك مما يجعله يحظى بتوافق نسبي بين أنصار المؤتمر الشعبي العام.

العقوبات وسياق رفعها

بعد تحالف المؤتمر الشعبي العام مع جماعة انصار الله في عام  2014 والتي أدت إلى انهيار المؤسسات الشرعية في اليمن التي كان يقودها الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي،  فرضت لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي عقوبات على الرئيس الأسبق صالح ثم على نجله أحمد (أبريل 2015) بحجة عرقلتهما لجهود الحكومة الشرعية اليمنية التي كان على رأسها عبد ربّه منصور هادي.

بعد حوالي عقد من الزمن، و إثر جهود رئاسية يمنية ودعم سعودي وإماراتي، قررت لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي إزالة اسمَيهما من قائمة العقوبات في 30 يوليو 2024.

يأتي قرار رفع العقوبات عن العميد أحد صالح وسط مساعٍ تبذلها السعودية والأمم المتحدة لإرساء السلام واتخاذ خطوات عملية للوصول إلى نهاية للأزمة اليمنية، ومن ضمن هذه المساعي تهيئة الظروف السياسية لهذه المرحلة الانتقالية في تاريخ اليمن، وكذلك ضمان مصالح السعودية والإمارات في اليمن.  بعبارة أخرى، لعبت السعودية والإمارات دوراً محورياً في رفع العقوبات، وهذا ما أشار إليه العميد طارق صالح، عضو مجلس القيادة الرئاسي، حول خبر رفع العقوبات عن عمه (علي صالح) وابن عمه (أحمد صالح)، إذ قال في تغريدة له على منصة (إكس): “أتوجه بالشكر لكل الجهود التي بُذلت من أجل ذلك من مجلس القيادة، ودعم الأشقاء في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة”.

ما من شك بأن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تسعيا لاحتواء مراكز النفوذ في اليمن، ونظرا لما يمثله العميد احمد صالح من ثقل سياسي، وبعد إزالة اسمه من قائمة العقوبات، و في هذا التوقيت بالذات، يعطي دلالة قوية بأنه يهيأ للعب دور سياسي في مستقبل اليمن. من الصعب التكهن بطبيعة ومستوى ذلك الدور؛ من المحتمل أن يُدفع به لقيادة حزب المؤتمر الشعبي، لاسيما أنه ما يزال يحظى بعلاقات جيدة مع رموز الحزب وجميع أجنحته داخل اليمن و خارجه، ناهيك عن القاعدة العريضة التي يتمتع بها في أوساط أنصار المؤتمر.

ستبقى عودة العميد صالح للمشهد السياسي ربما ليست خيارا شخصياً أو إقليمياً إذ قد تلقى رفضاً من بعض الأطراف الأخرى في “الشرعية” اليمنية أو من جماعة أنصار الله، التي تسعى المملكة العربية السعودية إلى التقارب معها.

عموماً، تحركات العميد أحمد صالح خلال الأيام القادمة ستنبئ عن الدور المحتمل الذي سيلعبه في قادم الأيام؛ فإن عاد إلى اليمن خلال الفترة القادمة، فسيعد ذلك مؤشراَ على نيته لإعادة إنعاش المؤتمر ولململة فصائله، وبالتالي ممارسة العمل السياسي من خلاله، أما إذا ظل في مقر إقامته خارج اليمن، فإن ذلك يعني بأنه قد أختار لنفسه الابتعاد وترك معترك السياسة لابن عمه (طارق صالح).