ماهي فرص الدبلوماسية الصينية في الدفع بعملية السلام في اليمن |
ملخص تنفيذي لطالما نأت الصين بنفسها عن التدخل في الصراع في اليمن خشية أن يحسب موقفها لصالح هذا الطرف أو ذاك، سيما أنها تتمتع بعلاقات جيدة مع الجميع و تسعى لإرضاء الجميع. الأن وبعد تشعب الصراع وخروجه عن الجغرافيا اليمنية، و في ضوء تطور العلاقة بين الرياض وبكين، وتراجع الدور الغربي نسبياً في الدفع بعملية السلام، ونظرا لكونها قوة اقتصادية عظمى، وجدت بكين نفسها تميل إلى الانخراط في الديناميكيات الجديدة للصراع ساعية للاستفادة القصوى من الفرص التي تقدمها هذه المرحلة مما يؤسس لها موطئ قدم في إعادة إعمار اليمن بعد الحرب. على الرغم أن السعودية أصبحت تمثل أهمية متزايدة للصين، فإن الأخيرة تحاول الوقوف على مسافات متساوية من جميع الأطراف المحلية والإقليمية، مما يجعلها المرشح الأبرز لإحداث ثغرة في التفاهمات السياسية والإنسانية المرتقبة بين جماعة أنصار الله والأطراف المناوئة لها. من الصعوبة التكّهن بجدوى الدبلوماسية الصينية في حلحلة الصراع في اليمن؛ فعلى الرغم أن بكين مؤهلة للقيام بدور الوسيط إلا أن الصراع في اليمن متعدد الطبقات والأقطاب ويخضع لمصالح دول عظمى وإقليمية، وبالتالي سيظل أي جهد دبلوماسي صيني لإنهاء الحرب مرهوناً برغبات ومصالح تلك الدول. |
مقدمة
ظلت الصين تنئ بنفسها عن الانخراط بالصراع في اليمن بشكل مباشر ووقفت –نسبياً- على مسافة واحدة من جميع أطراف الصراع المحليين والإقليميين منذ اندلاع الصراع العسكري في اليمن في عام 2015، وهي استراتيجية تقليدية لطالما دأبت الصين على إتباعها في قضايا الشرق الأوسط المعقدة وذلك بهدف خلق سياسة متوازنة تستوعب جميع الأطراف.
لكن ومع تعثر جهود مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن (هانز غروندبرغ) في تمديد الهدنة الإنسانية التي تم الإعلان عنها في بداية أبريل 2022 و انتهت في أكتوبر 2022 ، ووصول مساعيه في تحريك عملية السلام إلى مرحلة الانسداد، برز موقف الصين من الأزمة الراهنة في اليمن إلى الواجهة عندما نجحت في رعاية اتفاق تاريخي في 10 مارس 2023 أعاد العلاقة الدبلوماسية بين السعودية وإيران، وهما دولتان تلعبان دوراً محورياً في مسار الصراع في اليمن كونهما الداعمان الرئيسيان لطرفي الصراع (الحكومة المعترف بها دولياً وجماعة أنصار الله، على التوالي.
اليوم، وبعد تراجع المساعي الأمريكية للدفع بعملية السلام المتعثرة في اليمن منذ سنوات، و مع حرص الرياض الخروج من الصراع اليمني، تُثَار تساؤلاًت كثيرة حول احتمالية انخراط بكين للإسهام في إنهاء الحرب والتسوية السياسية المرتقبة في اليمن ومدى نجاح مساعيها، وهذا ما يسعى هذا التحليل مناقشته.
نبذة تاريخية عن العلاقة الصينية- اليمنية
العلاقات الصينية-اليمنية ليست بالعلاقة الجديدة أو الطارئة – سواء مع ما كان يعرف بالجمهورية العربية اليمنية (اليمن الشمالي) أو مع ما كان يعرف بجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي)، اللذان اندمجا في عام 1990 وشكلا دولة واحدة هي الجمهورية اليمنية.
تعود بداية العلاقة بين الصين وبين “اليمن الشمالي” إلى نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، حيث أقامت “المملكة المتوكلية اليمنية” حينها علاقات دبلوماسية رسمية مع جمهورية الصين الشعبية، وتوطدت تلك العلاقة منذ انطلاقة النظام الجمهوري الذي أطاح بالنظام الملكي عام 1962، فقد اعترفت الحكومة الصينية بالنظام الجمهوري الجديد وترسخت العلاقة الدبلوماسية بينهما على مستوى السفراء، ومنذ ذلك الحين ظلت الصين على علاقة دبلوماسية و اقتصادية مميزة مع “الجمهورية العربية اليمنية”، وخير شاهد على عمق تلك العلاقة هي الطرق الرئيسية التي نفذتها الشركات الصينية لربط المدن الرئيسية في اليمن ببعضها البعض، وكذلك التنقيب عن النفط اليمني وإنتاجه في بداية الثمانينات حيث بلغ مستوى الإنتاج للشركات الصينية العاملة في اليمن لما يقرب من 8 % من إجمالي الإنتاج اليومي لليمن.
أما فيما يتعلق ب “اليمن الجنوبي” سابقاً، فترجع العلاقة بينهما إلى مرحلة ما بعد الاستقلال عن الاحتلال البريطاني في نوفمبر 1967، إذ سارعت بكين – في سباق إيديولوجي محموم بينها وبين الاتحاد السوفياتي آنذاك- إلى إقامة علاقات ودية مع “الحكومة الاشتراكية اليمنية” الناشئة، حيث تم تبادل السفراء وتوقيع اتفاقيات في جميع المجالات، فضلا عن تعزيز مصالحها الإيديولوجية في دعم الحركات اليسارية الإقليمية. حينها لم تكن لدى الصين علاقات دبلوماسية مع أي من دول الخليج العربي. وعلى المستوى الاقتصادي، بدأت الصين بتوجيه مساعداتها الاقتصادية لتنفيذ كثير من المشروعات التنموية؛ مثل إنشاء مصنع الغزل والنسيج وسفلتت طريق عدن-المكلا بطول 315 ميلاً. وبحلول عام 1980، بلغت المساعدات الإنمائية المقدَّمة إلى جنوب اليمن حوالي 84 مليون دولار أمريكي، وهوما عُد حينها بأكبر برنامج مساعدات صينية، سواءٌ في الشرق الأوسط، أو في أي مكان آخر في العالم الثالث[1].
ومنذ الوحدة اليمنية انخرطت الصين باستثمارات كبيرة مع الجمهورية اليمنية فوقعت اتفاقيات لبناء محطات توليد الطاقة بالغاز الطبيعي في اليمن، وتوسيع موانئ الحاويات في عدن والمخا. وتأكيدا على تلك العلاقة الاقتصادية القوية بينهما، فإن أول عملية بيع خارجية رئيسة لشركة «هواوي » كانت لليمن في عام 1999[2]. وإلى جانب المشاريع الاستثمارية، تَلَقَّى اليمنُ أيضاً دعماً ومساعدات صينية في مراحل زمنية مختلفة، وهو ما يشير إلى أن الصين قد جعلت من نشاطها الاقتصادي وسيلةً لتنمية العلاقات الودية مع الحكومة المحلية والحفاظ عليها[3].
وفي سياق هذه العلاقة، أكد القائم بأعمال السفير الصيني لدى اليمن، شاو تشنغ، في حوار موسع مع صحيفة (الشرق الأوسط) قبل أيام على عمق هذه العلاقة، قائلاً: “يصادف هذا العام الذكرى الـ68 لتأسيس العلاقات الدبلوماسية الصينية – اليمنية”، مضيفاً ، ” كان التعاون الصيني – اليمني في الماضي يتمحور حول الصناعات التقليدية، لكنه اليوم يتمحور حول الطاقة الجديدة. اليمن يتمتع بموارد طاقة شمسية غنية، وكثير من العائلات اليمنية لديها ألواح طاقة شمسية مصنوعة في الصين، وكما نعرف، فإن اليمن يواجه مشكلة ونقصاً في توليد الكهرباء، والشركات الصينية تتمتع بالقدرة في هذا المجال، ومع تحسّن الأوضاع اليمنية وإحلال السلام، ستبدأ الصين واليمن التعاون في مجال الطاقة الجديدة والنظيفة، والمجالات الأخرى”.
الدور الصيني في عملية السلام
منذ بدايات الصراع في اليمن إبان ما عُرِفَ بثورات الربيع العربي في 2011، انخرطت الصين- ولو بشكل جزئي- في الجهود الإقليمية و الدولية لتجنيب اليمن الانزلاق إلى أتون حرب أهلية، إذ أسهمت في الدفع بعملية الانتقال السلمي للسلطة وتوقيع المبادرة الخليجية ومؤتمر الحوار الوطني.
وبعد وصول جماعة أنصار الله إلى السلطة في سبتمبر 2014، وتمددها نحو المحافظات الجنوبية والسيطرة على مدينة عدن في جنوب اليمن، أُعلن عن تشكيل التحالف العربي بقيادة السعودية، الذي بدوره تقدم مع حكومة الرئيس السابق عبده ربه منصور هادي، والتي كانت قد اتخذت من الرياض مقراً لها، بطلب لمجس الأمن الذي أصدر القرار الأممي رقم 2216 ، و تم بموجبه منح حكومة هادي الصفة الشرعية، وحظَر بيع الأسلحة إلى جماعة أنصار الله، وطالب بنزع سلاح الجماعة وانسحابها من المدن، وأعطى الضوء الأخضر للتحالف العربي بقيادة السعودية بالتدخل العسكري لإعادة سلطة هادي إلى صنعاء. صوتت جمهورية الصين الشعبية لصالح القرار، و استمرت بالتصويت الإيجابي على القرارات الأممية المتتالية التي كانت بمجملها تصب لصالح التحالف العربي بقيادة السعودية والحكومة المعترف بها دولياً، وهو ما اعتبر مؤشرا واضحا على الصين تتعامل مع الشأن اليمني من زاوية المصالح الاقتصادية، إضافة أن الصين في تلك المرحلة لم تكن لديها اتصالات قوية مع جماعة أنصار الله.
في عام 2016 عندما شكلت جماعة أنصار الله وحلفاؤها السياسيون- أبرزهم الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح – اعتبرت الصين ذلك ضربة للجهود التي تدعمها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب، وقالت وزارة الخارجية الصينية في بيان: إنها تؤيد الحكومة المعترف بها دولياً، ولا توافق على تصرفات منفردة من شأنها أن تعقد الوضع، وتابعت بأنها تأمل بأن تتواصل الأطراف المعنية في اليمن الحوار لحل الخلافات والتوصل لتسوية عادلة يمكن لكل الأطراف قبولها على أساس قرارات الأمم المتحدة ومبادرات مجلس التعاون الخليجي. وعلى الرغم من هذا الامتعاض، فإن علاقتها مع جماعة انصار الله ظلت متزنة بالقدر الذي لا يزعجهم ولا يؤدي إلى إثارة حفائظهم، ويبدو أن جماعة أنصار الله هي الأخرى كانت متفهمة للموقف الصيني الذي ليس بالضرورة داعماً للموقف السعودي وإنما تريد حماية مصالحها الاستراتيجية في الخليج، التي يشكل النفط عمودها.
وخلال فترة الصراع الدائر في اليمن، ظلت الصين تسعى لإحداث اختراق دبلوماسي لحل الصراع، فتقدمت في عام 2018 بخطة من أربع نقاط لإنهاء الحرب، فدعت إلى وقف فوري لإطلاق النار، وإعادة فتح الموانئ، وإجراء حوار سياسي، وتوفير المساعدات الإنسانية. ورحبت كل من الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وجماعة أنصار الله بالمبادرة الصينية التي لم تر النور كمثيلاتها من المبادرات المتعلقة بحل الصراع في اليمن. ومع حلول عام 2023، عقد القائم بالأعمال الصيني في سفارتها في اليمن، شاو تشنج، 5 اجتماعات منفصلة مع أعضاء مجلس القيادة الرئاسية اليمني، وتماشياً مع المساعي الأممية في تهدئة الأوضاع في اليمن، سهّلت الصين محادثات وقف إطلاق النار الثلاثية الأولية بين المجلس الرئاسي، والمجلس الانتقالي الجنوبي، والحوثيين في أوائل أبريل 2023.
لماذا تقترب الصين الأن أكثر من الملف اليمني؟
إن النهج المتوازن الذي تتبعه بكين، ومحاولتها الوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف المتصارعة، ورغبتها في تأمين موقع لها في يمن ما بعد الحرب، كل ذلك يمثل مرتكزات جوهرية تستدعي من الصين الإسهام في حل الأزمة اليمنية، لكن ذلك لن يكون إلا في ضوء مصالح الصين الاقتصادية.
تقترب بكين من الملف اليمني في الوقت الذي تبتعد عنه أمريكا والغرب عموما. بعبارة أخرى، تشهد المساعي الغربية والأمريكية تراجعاً ملحوضاً في الدفع بعملية السلام، فكما يبدو بأن إدارة الرئيس بايدن لم تعد حريصة على إنهاء الحرب كما كان عليه الحال قبل 7 أكتوبر (2023) بل أنها أصبحت تمارس ضغوطاً على الرياض بضرورة تجميد أو التراجع عن الخطوات التفاوضية المنفردة التي قررت المضي بها مع جماعة أنصار الله، وهو ما لا تحبذه أو ترغب فيه الرياض، التي قد وصلت إلى قناعة تامة باستحالة الحسم العسكري بعد 9 سنوات من الحرب، ونظراً للتبعات الإنسانية للحرب وتكلفة استمرارها على الاقتصاد السعودي، وعلى الاستقرار في المملكة بشكل عام، لا سيما إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن السعودية تهيئ الأجواء لتحقيق أهداف رؤية 2030، والتي من أهم شروطها هو الاستقرار السياسي والأمني، فإن الرياض توظف كل إمكانياتها الدبلوماسية للخروج من الصراع في اليمن، ومن هذه الإمكانيات استغلال النفوذ الصيني لدى الأطراف اليمنية لتهيئة الظروف وجلب الفرقاء إلى طاولة المفاوضات بهدف التوقيع على خارطة الطريق التي تبلورت من خلال التفاهمات السعودية مع جماعة انصار الله خلال العام 2023 وأعلن عنها المبعوث الأممي في نهاية العام المضي تحت مسمى خارطة الطريق للسلام.
من المهم هنا الإشارة لنظرة الأطراف اليمنية من المبعوث الأممي (هانس غروندبرغ) التي تبدو ليست على ثقة كاملة بتوجهاته واستراتيجياته نحو العملية السلمية في اليمن إذ ترى جماعة أنصار الله بأنه يمثل المصالح الأمريكية والسعودية، فيما ترى الحكومة اليمنية أن هدفه هو تمرير اتفاقات وممارسة ضغوط عليها تصب في مصلحة جماعة أنصار الله.
وبالنظر للرغبة السعودية للتخلي عن الملف اليمني وخلو الساحة من مؤثرين دوليين، وجدت الصين- مدفوعة بمصالحها الاقتصادية والجيوسياسية- الأجواء مهيأة لملء “الفراغ الاستراتيجي” الذي تركته أمريكا وبريطانيا نتيجة انخراطهما في استهداف المواقع العسكرية لجماعة أنصار الله وتراجع نفوذهما الدبلوماسي نتيجة مساندتهما للعدوان الإسرائيلي.
ماهي فرص الصين في تحقيق السلام في اليمن
في الوقت الحالي ، يبدو أن الصين تتمتع بمزايا أكثر من غيرها للدفع بعملية السلام في اليمن، وذلك لما لديها من علاقات مع جميع الأطراف، بل إنها يبدو قد كسبت ثقة الأمم المتحدة للعب الدور الأبرز في اليمن بعد أن حققت النجاح في التفاهمات السعودية الإيرانية، وهنا يؤكد شاو بأن بكين تقوم بالتنسيق مع المبعوث الأممي الخاص لليمن، هانس غروندبرغ والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، والجهات المعنية الأخرى؛ لدفع خريطة السلام في اليمن قدماً، مطالباً الأطراف اليمنية بالجلوس على الطاولة، وتوقيع اتفاقية سلمية بشكل عاجل.
من المحتمل أن رعاية إيران للاتفاق الإيراني-السعودي قد فتح شهيتها لتوسيع دبلوماسيتها في ملفات أخرى في الشرق الأوسط، وأهم تلك الملفات بدون شك هو الملف اليمني؛ فبعد اتفاق التطبيع بين الدولتين في مارس 2023، أعربت الحكومة الصينية عن استعدادها لدعم العملية السلمية في اليمن، وعبرت في عدة مناسبات عن قلقها إزاء حالة عدم الاستقرار التي تسببها الحرب في اليمن، لا سيما داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وكان آخرها ما أعربت عنه في اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 17 أبريل 2023 حول اليمن، حيث أشاد نائب المندوب الصيني الدائم لدى الأمم المتحدة، جينج شوانغ، بنجاح الصين في المساعدة على استعادة العلاقات الإيرانية السعودية، وقال: إن الصين مستعدة “لمواصلة بذل الجهود لتعزيز السلام والاستقرار الإقليميين وتحقيق سلام دائم في اليمن”، ويتناسق ذلك مع الجهود الدبلوماسية التي يقوم بها القائم بالأعمال الصيني في اليمن ، شاو تشنغ، حيث عقد خمسة اجتماعات منفصلة مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي و أعضاء المجلس مؤخرا، والذين بدورهم دعوا جمهورية الصين الشعبية إلى القيام بدور أكبر من أجل إنهاء الصراع الدائر في اليمن منذ أكثر من 9 أعوام، داعيين بكين لممارسة ضغوط حقيقية ومؤثرة على طهران لوقف “تدخلاتها المستمرة” في شؤون اليمن الداخلية والتوقف عن دعم “الحوثيين”.
بالمثل، السعودية تقول بأنها تثق بالصين، ووفقاً لموقع المملكة الإخباري فإن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان قال بأن السعودية “تثق تماما” بالصين، وترغب في الدفع من أجل تنمية مستدامة للتعاون الثنائي”. وبالمثل أشاد القائم بأعمال السفير الصيني لدى اليمن، شاو تشنغ، بالجهود السعودية لتحقيق السلام في اليمن ووصفها بـ “الإيجابية”، مشيراً إلى أن السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر “صديق عزيز، التقيته مراراً وتكراراً”.
تتعامل بكين بحذر مع جميع الجهات الفاعلة الرئيسة في اليمن، بما في ذلك جماعة أنصار الله، إلا أنها وفي الآونة الأخيرة ومع تصاعد هجمات البحر الأحمر، أبدت الصين اكثر انفتاحا على الجماعة والتقى المسؤولون الصينيون بمسؤولين من جماعة أنصار الله في العاصمة العمانية مسقط، ربما لتأمين مرور وارداتها وصادراتها في البحر الأحمر. في الحقيقة، لطالما عبرت بكين عن طلبها من المجتمع الدولي دعم جميع الفصائل المتحاربة الرئيسة بما في ذلك جماعة أنصار الله في السعي لتحقيق سلام دائم في البلاد.
تدرك الصين كغيرها من الدول أن جماعة انصار الله هي القوة العسكرية الأقوى على الأرض، و في نهاية المطاف، عليها إن أرادت تامين استثماراتها المستقبلية في اليمن عليها أن تحافظ على علاقات ودية مع الجماعة، و لقد تبين هذا النهج الصيني عندما وقعت وزارة النفط والمعادن في حكومة صنعاء مذكرة تفاهم مع شركة “أنتون أويل” الصينية، للاستثمار في مجال الاستكشافات النفطية، التي تم الغائها فيما بعد، و قدمت حكومة بكين إعتذاراً رسمياً للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا. وفي سياق التواصل مع جماعة انصار الله ، اكد القائم بالأعمال إلى أن “الصين تتمتع بعلاقة تواصل مع الحوثيين والأطراف المعنية الأخرى، وذلك بهدف معرفة النية الحقيقية لها، وبذل جهود مشتركة لتحقيق السلام في اليمن”، على حد وصفه. ويبدو ذلك واضحا من خلال ما ذكرته وكالة نبا الإخبارية عن قائد جماعة أنصار الله (السيد عبدالملك الحوثي) الذ كشف قد كشف “سعي أميركا إلى الاستعانة بالصين من أجل أنْ تسعى إلى الوساطة والإقناع بوقف عملياتنا المساندة للشعب الفلسطيني”، إذ يعد ذلك مؤشراً على أن بكين تحظى بالقبول لدى جماعة أنصار الله.
ووفقاً للقائم بالأعمال الصيني في اليمن، شاو تشنغ، إن الصين لديها “تواصل مكثف مع المؤتمر الشعبي العام، والحزب الاشتراكي، والأحزاب اليمنية الأخرى” ، وفي هذا السياق قال “بأن زيارة وفد حزب «التجمع اليمني للإصلاح» إلى بكين في 26 يونيو 2024 تعكس مدى التواصل مع جميع الأطراف اليمنية.
وفي هذا السياق ايضاً كشف حزب التجمع اليمني للإصلاح، اكبر المكونات السياسية للشرعية اليمنية، عن “علاقات متينة” تربطه بالحكومة الصينية، وأشار عن استعدادها للعب دور الوساطة لدعم الجهود الإقليمية والأممية لإنجاز اتفاق السلام في اليمن، “خاصة بعدما سعت بكين لرعاية لقاءات انتهت بمصالحة بين المملكة العربية السعودية وايران”.
وبنفس القدر من التواصل مع هذه المكونات اليمنية على اختلاف مشاربها وتوجهاتها السياسية فإن بكين عملت على تطوير علاقتها مع المجلس الانتقالي الجنوبي وأبقت خطوط اتصال مفتوحة مع رئيس المجلس (عيدروس الزبيدي)، وفقا لما ذكرته صحيفة الأيام.
هل من فرص لنجاح المساعي الصينية؟
من الناحية النظرية، نعم ؛ الصين مؤهلة للعب الوسيط المحايد كونها تحتفظ بعلاقات متوازنة واتصالات مفتوحة مع جميع الفاعلين في الساحة اليمنية والإقليمية، الذين يُبدون انفتاحاً على بكين ويشيدون بمساهماتها في مسار الحل السياسي، بل أنهم يطلبون من بكين ممارسة دور أكبر في عملية السلام.
من الناحية العملية، الصراع في اليمن لم يعد شأن يمني ولم يكن يوما كذلك، فهو صراع متعدد الأقطاب والمصالح. و نظراً لما يمثله الموقع الاستراتيجي لليمن من أهمية، فإن استقراره يمثل أهمية جيوسياسية واقتصادية وأمنية لمصالح الدول الكبرى، وبالتالي يمكن القول بأن الجميع يسعى إلى تسوية الصراع وإنهاء الحرب في اليمن، لكن من خلال عدسة مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية والأمنية والعسكرية، متجاهلة المصالح العامة لليمنيين، وهنا تكمن المشكلة وتفشل المبادرات والوساطات؛ فإذا ما تقاطع هدف إنهاء الحرب مع مصالح تلك الدول الفاعلة أو إحداها، فإن المساعي الصينية ستكون أمام امتحان صعب للغاية قد يكون من المستحيل تجاوزه.
ملاحظة ختامية
في ضوء ما ذُكِر، يمكن القول بأن الدبلوماسية الصينية ستنتهز الفرصة التي توفرت لها بسبب تغير ديناميكيات الصراع في المنطقة وبالتالي لن تظل في الهامش بل يُتوقع أن تلعب دوراً مركزياً في تهدئة الأزمة اليمينة وتتخذ نهجاً أكثر تفاعلاً، لكن ذلك التحول سيكون بحذر شديد وقد لا تتبع مسار واضح ومتسق تجاه حلحلة الصراع في اليمن بل قد تحاول الوقوف في المناطق الرمادية, وبكل الأحوال ستلجأ بكين إلى الفاعلين الإقليميين مثل سلطنة عمان و إيران للمساعدة في تحقيق أي اختراق سياسي على مسار العملية السياسية في اليمن.
***
[1] Fred Halliday, “Aspects of South Yemen’s Foreign Policy 1967–1982,” doctoral thesis, London School of Economics, Department of International History (April 1985), p. 285.
[2] Eric Thun and Timothy Sturgeon, “When Global Technology Meets Local Standards,” in Loren Brandt and Thomas G. Rawski (eds.), Policy, Regulation and Innovation in China’s Electricity and Telecom Industries (Cambridge: Cambridge University Press, 2019), p. 191.
[3] Yahya Alawd, Muhammad Fuad bin Othman, and Norafidah Binti Ismail, “The Political Relations between Yemen and the People’s Republic of China during Ali Abdullahs Saleh’s Administration from 1990 to 2012,” International Journal of Management and Applied Science, 3, no. 1 (March 2017): 16–44.