هل ما يزال للأحزاب السياسية اليمنية دور في عملية السلام المرتقبة؟

ملخص تنفيذي
• تأثرت الحياة الحزبية والسياسية بالحرب التي تشهدها اليمن منذ عشر سنوات، حيث فقدت بعض الأحزاب اليمنية جزءًا كبيراً من قدرتها الهيكلية والتنظيمية، وتشرذمت أخرى وانقسمت على نفسها، واتخذت بعضها مبدأ الحياد والتموضع في المواقف الرمادية. ولئن وجد المتابع لما يعتمل في الساحة اليمنية في هذه المرحلة أن معظم الأحزاب اليمنية حاضرة في المشهد السياسي من خلال بروز بعض أسماء المنتمين إليها ضمن التشكيلات الوزارية سواء في الحكومة التابعة لجماعة أنصار الله في صنعاء أو في الحكومة المعترف بها دولياً في عدن، فلا يعني أن الأحزاب السياسية اليمنية بذلك الحضور تمارس دورها الحقيقي في أرض الواقع الذي رسمته في أدبياتها وتتوقعه منها جماهيرها الشعبية؛ وإنما هو في العمق حضور مفرغ من جوهره الفاعل، مما جعل الأحزاب في الواقع الملموس تعيش خارج دائرة الفعل السياسي المؤثر، وغير قادرة على اتخاذ القرارات الوطنية التي تلبي رؤية المجتمع وتطلعاته.

مقدمة

تعتبر الأحزاب السياسية أحد أبرز تجليات الوعي المدني والتأطير السياسي، الذي يعهد إليه الدفاع عن مكتسبات الأمة والتعبير عن رؤيتها لدى صناع القرار، ولهذا فإن المأمول من الأحزاب السياسية اليمنية فيما يتعلق بالوضع الحالي في اليمن؛ هو نقل رؤية الجماهير حول التسوية السياسية المرتقبة ورؤيتهم حول طبيعة نظام الحكم المستقبلي للبلاد، فضلاً عن أن انخراط الأحزاب السياسية في مفاوضات السلام تضمن تأييدها لمخرجات المفاوضات وبالتالي يمثل إشراكها في رسم المستقبل السياسي لليمن بمثابة الخطوة الأولى لصناعة السلام المستدام. 

في ظل كل الجهود الدولية والإقليمية ومبادرات السلام المطروحة، قد يتساءل البعض عن دور الأحزاب السياسية اليمنية في هذه المبادرات؛ إذ تعتبر مشاركتها الإيجابية من أهم الركائز الأساسية لتحقيق السلام والإسهام في تشكيل دولة ما بعد الصراع الطويل. وبالمقابل، فإنها قد تلعب دوراً سلبياً عن طريق تأجيج العداء والانضواء تحت قوى خارجية تختلف رؤيتها ومصالحها عن رؤية المجتمع اليمني ومصالحه.

ترتكز هذه الورقة على فكرة أن بناء السلام المستدام في اليمن يتطلب انخراط الأحزاب السياسية بشكل أكثر فعالية في المبادرات السياسية التي تتبناها الأمم المتحدة، أو أي مبادرات سلام أُخرى، وتهدف إلى التعرف على واقع الأحزاب السياسية اليمنية في ضوء التحولات التي شهدتها السنوات العشر من هذه الحرب، ومعرفة الأدوار التي لعبتها الأحزاب السياسية اليمنية خلال فترة الصراع وما يُتوقع منها للمساهمة في إنهاء الصراع وإحلال السلام.

واقع الأحزاب السياسية اليمنية:

منذ الثورة اليمنية (2٦ سبتمبر 1962) في شمال اليمن،  واستقلال من الاحتلال البريطاني (30 نوفمبر 1967) في جنوب اليمن، حتى بداية التسعينيات، لم تعرف اليمن بشطريها الشمالي والجنوبي سوى نظام الحزب الواحد، حيث هيمن حزبا المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني على المشهد السياسي “الشمالي” و “الجنوبي”، على التوالي.

كان قيام الوحدة في عام 1990 بين شطري اليمن (الشمالي والجنوبي) نقطة تحول كبرى في الحياة السياسية اليمنية، إذ وفر دستور الوحدة الصادر عام ١٩٩١ مساحة جيدة للعمل الحزبي، فقد أجاز نظام التعددية السياسية، وإنشاء الأحزاب؛ فوصل عددها إلى ما يقرب من 46 حزبًا وتنظيمًا سياسيًا ، ومن أهم تلك الأحزاب الفاعلة التي ظهرت على الساحة اليمنية إلى جانب الحزبين الحاكمين (المؤتمر الشعبي العام، والحزب الاشتراكي اليمني) حزب التجمع اليمني للإصلاح، والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، وحزب البعث العربي الاشتراكي، وحزب الحق، وحزب الرشاد السلفي.

مَثَّلَ ذلك التوجه خطوة أولى نحو التعددية السياسية ووضع اللبنات الأولى لتأسيس ثقافة المشاركة الشعبية والوصول إلى السلطة سلمياً عن طريق صناديق الاقتراع، لكن ظلت تلك المبادئ الديموقراطية مجرد ديكور سياسي تستغله تلك الأحزاب والتنظيمات كجسر عبور للوصول إلى السلطة نظراً لعدم اختمار التجربة الديموقراطية في اليمن، ناهيك عن ثقافة القبلية والمناطقية التي تهيمن على العقل الجمعي اليمني. وبكل الأحوال ظل حزب المؤتمر الشعبي العام هو الحزب الحاكم منذ تأسيسه في عام ١٩٨٢ حتى عام 2011، وإن تحالف في بعض المحطات مع الحزب الاشتراكي اليمني أو مع حزب التجمع اليمني للإصلاح.

في فبراير 2011، انضمت معظم الأحزاب الفعالة  في اليمن إلى ما عُرف بثورة “الربيع العربي”؛ إذ حشدت مناصريها  إلى الالتحاق بمظاهرات الشباب الداعية ل”إسقاط النظام”، وعندما دخلت قوات أنصار الله (الحوثية) إلى صنعاء في 21 سبتمبر 2014، وبدأ الصراع العسكري بينها وبين حكومة الرئيس السابق (عبد منصور هادي)، حدثت الهزة العنيفة لتلك الأحزاب، فتفرقت وتشتت، وانضمت لهذا الطرف أو ذاك، وفقاً لاعتبارات قبلية، أو مصالح شخصية، فخسرت تلك المكاسب التي كانت قد حققتها في المراحل السابقة، كما تجلى ذلك في تفكك قيادات المؤتمر الشعبي العام، الحزب الحاكم حينها، و انهيار أحزاب اللقاء المشترك التي كانت تمثل كتلة سياسية مؤثرة آنذاك.

حزب المؤتمر الشعبي العام (جناح صنعاء)

يُعد حزب المؤتمر الشعبي العام أكثر الأحزاب فعالية وشعبية في اليمن، وظل الحزب الحاكم لما يقرب من 30 عاماً، وعند دخول جماعة أنصار الله إلى صنعاء في عام 2014، أعلن الحزب، ممثلا برئيسه- الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح،  تحالفه مع جماعة أنصار الله وهو ما أدى بقيادات الحزب إلى مزيد من التشرذم والانقسام، إذ وضعهم ذلك التحالف بين ثلاثة خيارات، إما أن يظلوا متحالفين مع جماعة أنصار الله (جناح صنعاء) ، وإما أن يتواروا عن الحياة السياسية برمتها، وإما أن ينشقوا عن (جناح صنعاء) وينضموا إلى جناح الرئيس السابق هادي (جناح الرياض).

في بادئ الأمر، اختارت معظم قيادات المؤتمر البقاء ضمن جناح صنعاء الموالي لجماعة أنصار الله، وتمكن الطرفان معاً من مواجهة فراغ الحكومة في سلطة صنعاء؛ إذ قاموا بإنشاء مجلس سياسي أعلى في عام 2016 يتكون من عشرة أعضاء، مناصفة بينهما، ثم شُكِّلت حكومة إنقاذ مشتركة بينهما في 28 نوفمبر من العام ذاته حيث خصصت بعض الوزارات لحزب المؤتمر الشعبي العام في صنعاء، وبحكم تحالف الحزب مع جماعة أنصار الله وموقعه في المجلس السياسي الأعلى وبحكومة الإنقاذ، فقد شارك حزب المؤتمر في مفاوضات جنيف (2015) ومفاوضات الكويت (2016). 

وفي ديسمبر 2017، حدث تحول دراماتيكي في علاقة المؤتمر الشعبي العام مع جماعة أنصار الله، حيث أعلن رئيس المؤتمر آنذاك (علي عبد الله صالح) عن انتفاضة ضد جماعة أنصار الله واندلعت على إثر ذلك مواجهات مسلحة بينهما، لتنتهي بمقتل صالح، وأدت بأعضاء المؤتمر لمزيد من التشرذم والانقسام، فقد غادر على إثرها الكثير من قياداته العاصمة صنعاء وانضموا إلى جناح الرياض؛ و من ثم أصبحوا يشكلون النسبة الكبرى من قوام الحكومة المعترف بها دولياً، بينما فضل بعضهم البقاء في العاصمة صنعاء متحالفاً مع جماعة أنصار الله، وضمن تشكيلة “حكومة الإنقاذ” حتى تم تغييرهم ب “حكومة التغيير والبناء”، التي تم الإعلان عن تشكيلها قبل 5 أيام (13 أغسطس 2024)، برئاسة أحمد غالب ناصر الرهوي، الذي ينتمي تنظيميا لحزب المؤتمر الشعبي العام، وهناك شخصيات أخرى قِيلَ إنها تنتمي لحزب المؤتمر.  لكن، على الرغم من كون تلك الشخصيات المؤتمرية في هرم “حكومة التغيير والبناء” بصنعاء، فإنها ليست بالضرورة امتدادا لرؤية المؤتمر الشعبي العام وتوجهاته السياسية. 

الأحزاب المناهضة لجماعة أنصار الله

المؤتمر الشعبي (جناح الرياض)

أما على الاتجاه الآخر، فحزب المؤتمر جزء أساسي من الحكومة المعترف بها دوليا (الرياض – عدن) وممثل ب 5 حقائب وزارية من إجمالي 24 وزارة ، فضلاً عن كونه الجناح الأقوى في مجلس الرئاسة الذي يترأسه الدكتور رشاد العليمي، وعضوية عثمان مجلي و العميد طارق صالح، وجميعهم ينتمون إلى حزب المؤتمر.

حزب التجمع اليمني للإصلاح

يعد حزب التجمع اليمني للإصلاح أبرز القوى السياسية الفاعلة المساندة للحكومة الشرعية، وقد ظل متماسكًا في كيانه التنظيمي، وموقفه السياسي منذ وصول جماعة أنصار الله إلى السلطة، وانتقلت قياداته وكثير من قواعده إلى المحافظات الواقعة تحت سلطة الحكومة المعترف بها دولياً مثل محافظة مارب وتعز، أو إلى دول خارج الوطن مثل المملكة العربية السعودية وتركيا.

منذ بداية الحرب في عام 2015، قام بتأييد التدخل العسكري “للتحالف العربي” لدعم “الشرعية”، الذي تقوده المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وعمل على تحريك أفراده ومؤسساته لمواجهة جماعة أنصار الله، وانخرط بشكل فعال في صفوف المقاومة الجنوبية في عدن، إلا أنه ما لبثت أن خرجت جماعة أنصار الله من عدن حتى بدأت تحركات كبيرة ضده وضد مؤسساته خاصة من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي، وتم الضغط على الحكومة المعترف بها دولياً لإقصاء عدد من الشخصيات المنتمية اليه -أو المحسوبة عليه- من مناصبهم في الحكومة، وزادت وتيرة الهجمات الإعلامية عليه داخلياً وخارجياً، إلا أنه -بالرغم من ذلك- ظل متماسكاً تنظيميا إلى حد ما، فضلًا عن أنه يشكل أبرز شريك في الحكومات المتعاقبة في أثناء الحرب، بعدد من الوزراء، ونفوذ متصاعد في كثير من الهيئات الحكومية، المدنية والعسكرية والأمنية.

يعاني حزب الإصلاح، حاله حال غيره من الأحزاب السياسية، من نقاط ضعف تمثلت في بقاء معظم قياداته في الرياض، حيث أصبح قراره السياسي مرتهنا بالموقف السعودي، ولكونه جزءا من الحكومة المعترف بها دولياً التي ظلت في الرياض لفترة كبيرة،  فقد التزم الحزب الصمت عن كثير من القضايا المصيرية التي لا تتوافق مع رؤيته السياسية، وبالتالي لم ترق هذه المحاذير التي يفرضها هذا الوضع لبعض أعضائه المقيمين في اليمن أو في تركيا أو في أماكن أخرى، وأصبحت تصريحاتهم وآراؤهم السياسية تحرج القيادة الموجودة في الرياض، مما أدى إلى تجميد عضوية بعضا من تلك القيادات. فمثلاً، جمد حزب الإصلاح عضوية الناشطة اليمنية الإصلاحية والفائزة بجائزة نوبل (توكل كرمان) بعد أن اتهمت التحالف الذي تقوده السعودية بالتصرف كالمحتل في الحرب الدائرة في اليمن.

ولكون الحزب ممثلاً في حكومة المناصفة (الحكومة المعترف بها دولياً) بنسبة 20% (5 حقائب وزارية)  فضلاً عن كونه جزءا من المجلس الرئاسي اليمني بنسبة 25%،  فقد أصبحت مواقفه السياسية متماهية تماماً مع موقف الحكومة المعترف بها دوليا وبالطبع مع الموقف السعودي.

وإجمالا فقد أصبح التجمع اليمني للإصلاح تحت مرمى الماكينة الإعلامية لبعض دول التحالف، ولبعض القوى المحلية المدعومة منها أو من غيرها؛ فأصبح يعاني من حملة ممنهجة لشيطنته والتشكيك بوطنيته، والتشكيك بأي دور سياسي يقوم به، حيث يتم تأويله على أنه لصالح أجندات تتبع قطر وتركيا، أو أنه مشروع ذو أجندات إخوانية أو إرهابية؛ فعلى سبيل المثال يتداول المجلس الانتقالي صراعه مع الحكومة المعترف بها دولياً تحت هذا الإطار، حيث يتهم الرئيس العليمي ، وقبله الرئيس هادي، بارتهانهما للمشروع “الإصلاحي”، “الإخواني”.

الحزب الاشتراكي اليمني

ليس الحزب الاشتراكي، الذي تأسس عام 1978 في مدينة عدن، بأفضل حالاً من بقية الأحزاب اليمنية، فقد أدت الحرب الدائرة  في اليمن منذ 10 سنوات إلى إحداث اختلالات في تركيبته الداخلية، وعدم وضوح في رؤيته السياسية، فأصبح موقفه من الصراع القائم في اليمن هلامياً، متذبذباً، وأصبح وضعه أكثر غموضاً من بقية الأحزاب، فتقاذفته أمواج الصراع بين جماعة أنصار الله والحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، والمجلس الانتقالي الجنوبي، والحراك الجنوبي، و أصبحت قيادات وقواعد الحزب الاشتراكي عرضة للاستقطاب من قبل القوى التي توجد في محيطها الجغرافي.  بعبارة أُخرى، وضع الحزب نفسه في المنطقة الرمادية، ويلاحظ ذلك من خلال خطابه السياسي ومواقفه السياسية التي تميل لإرضاء الجميع، فيرى في الوحدة أملاً لجميع اليمنيين، وفي حق الجنوبين لتقرير مصيرهم حقاَ لا ينبغي معارضته، وفي الفيدرالية من إقليمين شمالي وجنوبي مخرجا، ويرى الحرب عبثاً، والانقلاب خطأ. وبهذا، و بسبب هذه البرجماتية السياسية والتموضع في المربعات السياسية الأمنة التي يتبعها الحزب، أصبح اشتراكي الجنوب يتماهى مع رؤية القوى المؤثرة في الجنوب، وأصبح اشتراكي الشمال يتماهى مع جماعة أنصار الله الحوثية، وبدا اشتراكي الوسط في تعز والمناطق الوسطى متمسكا بشعارات ومبادئ الحزب التقليدية،  بينما اشتراكيو الشرعية حيارى، لا تسمع لهم تصريحاً، ولا ترى لهم موقفاً.

أدى هذا التذبذب في الحزب إلى شلله السياسي، فتوارى عن المشهد، وانكفأ على نفسه، ولم نعد نسمع عن أي موقف أو تنديد أو تصريح له عن مواقف مصيرية كتلك التي تتعلق بسيادة اليمن، وجغرافيته، ومستقبله السياسي.  بيد أن هذا الضعف السياسي للحزب، قد يمثل -وهنا المفارقة- نقطة قوة لصالح العملية السلمية، إذ إنه أصبح الطرف الذي يحظى بأقل عداوة مع جميع الأطراف المتصارعة، وبهذا يكون الحزب الاشتراكي من أكثر المرشحين للقيام بدور إيجابي يسهم في تحقيق السلام.

وبغض النظر عن موقفه من الحرب أو الانفصال أو تموضعه مع أي طرف، فإنه يعتبر جزءا من الحكومة المعترف بها دوليا ؛ إذ استحوذ على حقيبتين وزاريتين (تقريبا 9%) من إجمالي 24 مقعدا.

دور الأحزاب السياسية في العملية السياسية المرتقبة 

في ضوء ما سبق، يتضح أن الأحزاب السياسية اليمنية، من الناحية النظرية بطبيعة الحال، منخرطة بالعملية السياسية في اليمن سواء في حكومة صنعاء أو حكومة عدن، لكن تلك الأحزاب تفتقر إلى فعالية اتخاذ القرار، فإذا أخذنا الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً مثالاً، سنلاحظ تباين آراء الأحزاب المنضوية تحتها حول المواضيع المصيرية، مثل الحرب، والتحالف، الانقلاب، العدوان، الوحدة، الفيدرالية، السيادة، الانفصال، بل إن تلك الأحزاب لم تتخلص من الاتهامات المتبادلة فيما بينها، والتشكيك بوطنية بعضها البعض، فضلاً عن أنها تستحوذ على أغلبية الحقائب في الحكومة المعترف بها دولياً، وبالتالي أصبحت رؤيتها متماهية تماماً مع ما تطرحه الحكومة من رؤى ومواقف، وهي بطبيعة الحال لا تتعارض مع رؤية الفاعلين الإقليميين، التي قد تتعارض مع مصالح الشعب اليمني ومع تحقيق السلام المستدام. وحتى تتضح الصورة اكثر، علينا التطرق لموقف دول التحالف من الأحزاب اليمنية عموما.  

موقف التحالف من الأحزاب: 

لم تكن دول الجوار على علاقة وئام مع معظم الأحزاب اليمنية، وخاصةً اليسارية منها، ويرجع ذلك إلى تبني دول الخليج نظام سياسي مختلف، يتعارض مع فكرة التعددية السياسية، وفكرة الحزبية عموماً.  في مرحلة ما بعد 2014، فتحت دول الخليج أبوابها لقيادات تلك الأحزاب، ولكن لم يكن ذلك إلا من باب علاقة الضرورة، فمن ناحية، منحتهم ملجأ آمنًا، ومن ناحية أُخرى احتوتهم وأصبح بمقدورها تمرير أجندات خاصة بها من خلالهم.  بمعنى آخر، أخذت تلك الدول تفرض عليهم قيوداً بعدم ممارسة أي نشاط سياسي، ما لم تكن تلك الدول هي التي تطلب منهم ذلك ويتماشى مع مصالحها.

 في الحقيقة، تظل هناك أزمة ثقة بين دول التحالف والأحزاب الكبيرة والمؤثرة في الساحة اليمنية؛ فالسعودية لم تكن راضية حتى وقت قريب عن حزب المؤتمر الشعبي العام بعد تحالفه مع جماعة أنصار الله، وفي الوقت ذاته ليست مطمئنة لحزب الإصلاح ذي الميول الإسلامية التي تعتبره كثيرا من الدول امتدادا لجماعة الإخوان المسلمين، والإمارات العربية المتحدة لا تقبل بأي دور سياسي للإصلاح سواء منفرداً أو ضمن تحالف للقوى السياسية.

الأهم من هذا، أن دول التحالف في بداية الحرب كانت تظن أن المعركة مع جماعة أنصار الله ستكون سهلة وقصيرة، وأن القضاء عليهم لن يأخذ وقتا طويلاً، فعمدت إلى تغليب الحل العسكري، وتهميش دور الأحزاب إلى حد كبير.  ليس ذلك وحسب، بل تم تقويض الفعالية السياسية لتلك الأحزاب من خلال المساعدة في إنشاء كيانات عسكرية ودعمهم ماديا وسياسيا وعسكريا، وبالتالي أصبحت تلك الكيانات الناشئة هي الأكثر فعاليةً ونفوذاً في الأماكن التي يوجدون فيها، وفي الوقت نفسه أصبحت تلك الكيانات بؤرا للصراع مع الأحزاب اليمنية السياسية،  كصراع الإصلاح وبعض تلك الكيانات الناشئة.

خاتمة

يمكن القول إن الأحزاب المؤثرة أصبحت منخرطة في العملية السياسية بشكل مباشر بحكم أنها ممثلة في حكومة المناصفة (الحكومة المعترف بها دوليا)، فقد حصل حزب المؤتمر الشعبي العام على خمس حقائب وزارية، ومثلها لحزب التجمع اليمني للإصلاح، بينما حصل الحزب الاشتراكي اليمني على حقيبتين وزاريتين، وتم توزيع باقي الحقائب الوزارية على أحزاب ومكونات أخرى. وإذا كان وجود هذه الأحزاب في مركز القرار سواء في حكومة صنعاء أو في حكومة عدن، يعني أنها أصبحت تمارس دور الحكومة والمعارضة في آن معا؛ فإنها بهذه المعادلة تكون قد آلت إلى وضعية لا تسمح لها بممارسة نشاطها السياسي باستقلالية وبما يخدم عملية السلام المستدام. هذا جانب، أما الجانب الآخر، فإن الأحزاب اليمنية ليست في وضع يؤهلها للقيام بدور سياسي حتى وإن رغبت في ذلك، فتعقيدات المشهد السياسي والعسكري، وتباين رؤى الأحزاب من القضايا المصيرية اليمنية ، واختلاف المواقف داخل الحزب الواحد، وانشقاق الأحزاب إلى أجنحة، وإلى غياب الشفافية في مواقف بعضها، ومواقف دول التحالف من تلك الأحزاب أو من بعضها، يقف حجر عثرة أمام قيام الأحزاب بدور ملموس في عملية السلام القادمة. وبالتالي سيظل دورها هامشياً وغير فاعل.  وحتى إن كان يتعين على المبعوث الأممي إلى اليمن -في ظل المعايير الأممية التي تقضي بضرورة إشراك كافة التيارات السياسية والمجتمعية في العملية السياسية المرتقبة- إشراك الأحزاب السياسية اليمنية في المشاورات التي تسبق مفاوضات عملية السلام، فإنها   حضورها فيه لا يعدو أن يكون حضورا ديكوريا تجميليا لا أكثر ولا أقل.